نعيمة سميح في ذمة الله.. رحمك الله يا نعيمة

المشهدTV – محمد خكلي
فُرِضَ على فنَّانينا الرُّواد انتظار لحظة الموت لنتذكَّرهم ونترحَّم عليهم، بينما تلوِّث مسامعنا الإذاعات العامة والخاصَّة، وتعكِّر شاشات قنواتنا التلفزية، بكلِّ تلويناتها وشعاراتها، بأناسٍ محسوبين على الفن، وما بينهم وبين الفن كما بين المشرق والمغرب!
بالأمس ودَّعنا “الدَّاسوكين” ورفيقه “الزَّعري”، وقبلهما “الصَّعري”، و”عبد الرؤوف”، و”نعيمة المشَّرقي”، وآخرهم الهرم الفنِّي “محمد الخلفي”. كلُّ هؤلاء الرواد لم يستسيغوا هذا الإهمال الذي فُرِضَ عليهم، وكأنهم قد أساؤوا للوطن وأهله، بينما يستأسد من لا ذوق لهم ولا موهبة على إعلامنا المرئي والمسموع.
ألم يكن حريًّا بالسلطات الوصيَّة الاهتمام بهؤلاء، وإعطاؤهم بعض الفتات مما يُصرَف من أموالٍ طائلةٍ على أعمالٍ أقلَّ ما يُقال عنها إنها رديئة؟ وما سيتكومات رمضان ومسلسلاته المبتذلة إلا عنوان لهذا التراجع الفنِّي.
بل إنَّ أحد المخرجين المغاربة، ممن تفتَّقت بصيرته وسبق غيره من المخرجين، قد لجأ إلى دولة مصر الشقيقة ليستورد منها “سيناريو” صعيدي بغية تصويره بالمغرب، متناسيًا أنَّ المغرب يختلف عن مصر في عاداته وتقاليده ومكوناته الإيديولوجية والعرقية، غير آبهٍ بكُتَّاب السيناريو المغاربة، الذين ينتظرون من يأتي إليهم في مقاهيهم الشَّعبية ليبيعوا له أعمالهم ببضع دراهم معدودات.
إنَّ هذا الإهمال الذي يطال فنانينا لا يُبشِّر بالخير، فهؤلاء يُمثِّلون إرثًا لاماديًّا للمغاربة جمعاء، وليس لوزير الثقافة ومن حوله فقط. فأين أغاني “عبد الوهَّاب الدُّكالي”، و”البشير عبده”، و”لطيفة رأفت”، و”عزيزة جلال”، و”نادية أيوب” من جينيريك مسلسلاتنا الدرامية وسيتكوماتنا اللامضحكة؟!
وأين قفشات “حسن مكِّيات”، ونكت “محمد مهِيوَّل”، و”وامان شو بنياز الحسين”، ونداءات “عبد الخالق فهيد” لولد العيَّاشية، ودموع وحنيَّة الأم الحنون “سعاد صابر”، وأناقة “نعيمة إلياس”؟!
بصدق، علينا كمثقَّفين بصفة عامة، ونقابات الفنانين بصفة خاصة، مسؤوليةٌ عظمى تجاه هؤلاء الرواد، وإلا سينطبق على الجميع قول: “أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثَّورُ الأبيض”.
وصدق الكاتب الفرنسي “إيمانويل طود” حين قال: “الأمة التي لا تاريخ لها تموت”.
رحم الله نعيمة سميح، وشفَى من بقي خلفها من فنانين يأكلون “القُوت” وينتظرون “المُوت”.