لغز اختفاء وعودة الفتاة “ابتسام”.. تساؤلات مشروعة وصمت محير

المشهد TV – هيئة التحرير
مازال الغموض يلف قضية اختفاء فتاة قاصر وعودتها بجماعة عين الضربان لحلاف في بداية شهر مايو من السنة الجارية. أسئلة حارقة وعدة علامات استفهام ظلت منتصبة وباحثة عن إجابة شافية تتعلق بقصة اختفائها، الأمر الذي أضحى يشكل لغزًا محيرًا خصوصًا بعد العثور عليها بمدينة المحمدية عن طريق الدرك الملكي التابع لابن أحمد، إقليم سطات. واتخاذ الصمت والهروب من المواجهة وسيلة لطمس حقائق أريد لها أن تبقى في طي الكتمان إلى أن تقتلها آلة النسيان.
كان العثور عليها بالمحمدية بداية طرح التساؤلات حول اختيارها لهذه المدينة التي تبعد عن منطقة سكناها بكيلومترات كمكان للهروب أو المغادرة. فهل تم ذلك بمساعدة شخص أو أشخاص أم جاء هذا الاختيار عبثًا؟ هل تم التغرير بها على اعتبار أنها فتاة قاصر، ومجموعة القانون الجنائي تضم فصولًا حول التغرير بالقاصر؟ وما هي أسباب هروبها من منزل والديها؟ هل بسبب القهر والظروف الاجتماعية الصعبة والعسيرة التي تعيشها وتريد تحسين وضعيتها أم الهروب بسبب شيء ما تريد إخفاءه عن والديها وعن ساكنة الدوار؟ ولماذا فضلت أسرتها الصمت وعدم الخروج بأي تصريح من شأنه توضيح ظروف وملابسات قضية اختفاء فلذة كبدهم؟ فهل هذا الصمت ناتج عن ضغط ما من جهة معينة تريد طمس الحقيقة وعدم تورطها في قضية جنائية أم أن هذا الصمت ناتج عن عدم فتح باب آخر قد يؤدي لتوريط أقرب أقربائها ومن يدور في فلكهم؟
كلها أسئلة مشروعة ومنطقية، نبحث لها عن إجابة شافية تدفعنا إلى النبش في هذا الملف وطرحه من جديد..
https://youtu.be/8NeHruyaVqk?si=Ewgp6WgLTY6rVeBB
●تفاصيل اختفاء ابتسام
تفاصيل هذه القضية تعود إلى صبيحة يوم العاشر من مايو 2024، عندما استيقظ سكان جماعة عين الضربان لحلاف الكائنة بمنطقة ابن أحمد، إقليم سطات، على خبر اختفاء فتاة قاصر لا يتعدى عمرها 16 سنة. وما أثار الضجة التي لم تهتز على إثرها إقليم سطات فقط، بل المغرب وخارجه، هو الاعتقاد السائد في ذلك اليوم بأن الفتاة تم اختطافها من طرف العصابات المتخصصة في استخراج الكنوز.
قبل أن يسود اعتقاد آخر، والذي كان جازمًا حينها، هو أنه تم قتلها من طرف أحد الأشخاص بعد اغتصابها، وعندما قضى منها وطره وخشي من الفضيحة أمام ساكنة الدوار، رماها في البئر وهرب إلى وجهة مجهولة. وما زاد من احتمال صحة هذا الاعتقاد هو تصريح والدتها أمام ذلك البئر، ذلك التصريح نقلته بالمباشر صحيفة المشهد TV وشاهده الملايين داخل وخارج الوطن. حيث صرحت الوالدة حينها، والتي كانت تتواجد بجانب البئر إلى جانب تجمهر غفير من ساكنة الدوار وبحضور فرقة من الوقاية المدنية ورجال الدرك الملكي، أنه توجد آثار تؤكد وجود فلذة كبدها بقاع البئر. تلك الآثار تتعلق ببقايا شعرها وقطرات من الدم ومحفظتها الدراسية وصندل بلاستيكي يطفو على سطح البئر، كل هذه العناصر رجحت احتمال الفرضية السابقة.
لكن المثير أثناء تصريحها أنها لم تكن عليها هالة الصدمة المعهودة التي يفترض أن تكون في أم فقدت ابنتها ومصيرها مجهول. وما يثير الشكوك أيضًا ويطرح التساؤلات، أنه خلال تصريحها نطقت سيدة بجانبها قائلة “قولي ليها غي رجعي وخا تكوني خاسرة حنا قابلين عليك”، وبالفعل قالت ذلك وكررته مرات ومرات، ما يعني أنها ربما على دراية بسبب الاختفاء..
وفي هذا الخضم، كانت فرقة الوقاية المدنية تقوم بتجفيف البئر من الماء بمساعدة بعض أهالي الدوار. وبعد جهد جهيد، أضحى اليقين هو سيد الموقف بأن الفتاة لا أثر لها في قاع البئر. ومن هنا، طفت على السطح فرضية أخرى، وهي أن الفتاة قد قُطعت إربًا بعد قتلها ورميها في مكان مجهول. وما يعزز هذه الفرضية هو التصريح المدلى به الذي يتعلق بوجود قطرات من الدماء والشعر والمحفظة الدراسية.
ظلت الأسئلة تتراقص، والخوف كل الخوف أن تكون الفتاة فعلاً قد فعل بها ما فعل وحش آدمي، مما سيجعل من هذه القضية قضية تهز الرأي العام المحلي والوطني، وتتدخل كل المنظمات الحقوقية في هذا الباب. وفي هذه الأثناء، وبينما كان من يتابع القضية منشغلاً بطرح الفرضيات، كان الدرك الملكي يفك طلاسم القضية ويبحث عن خيوط توصله إلى الحقيقة الثابتة. وبالفعل، ذلك ما كان، وبسرعة قصوى تؤكد أن الفرقة المكلفة بالبحث لم تنم تلك الليلة بعد قضاء يوم كامل في تجميع المعطيات، الشيء الذي أسفر عن العثور على الفتاة أخيراً في يوم 11 من مايو، وتنفس الوالدان الصعداء ومعهم الرأي العام الذي تابع قضية اختفائها بكثير من الترقب.
بلغ عدد المتابعين سبعة ملايين مشاهد للنقل المباشر الأول على صحيفة المشهد TV، التي كانت سباقة في نقل الحدث وتسليط الضوء على هذه القضية الغامضة. لكن لم تنته الحكاية هنا، بل ابتدأت حكاية أخرى ومعها أسئلة ما زالت تبحث عن إجابة شافية. فقد تم العثور على الفتاة في مدينة المحمدية، التي تبعد عن منطقة سكناها بكيلومترات. وبالاستناد إلى تصريحات الأم عندما كان مصير الفتاة مجهولاً، فإن ابنتها نامت قبل ليلة الاختفاء بالمنزل، وعندما استيقظت الأم في الصباح الباكر لإعداد وجبة الفطور لتستعد الابنة للذهاب إلى دراستها، اكتشفت أنها غير موجودة في مكان نومها الموجود في ما يشبه المطبخ. فبحثت عنها في كل الأرجاء ولم تعثر عليها، لتخبر زوجها الذي هو والد الفتاة بذلك. فما كان له إلا أن يتوجه إلى مركز الدرك الملكي للإبلاغ عن واقعة الاختفاء بعد أن أضناه البحث عن ابنته. فبدأ رجال الدرك الملكي في البحث، وكانت البداية من ذلك البئر الذي وبسببه طُرحت فرضيات عدة، تستند إلى ما سلف ذكره من قطرات دم وشعر ومحفظة وصندل بلاستيكي.
●العثور على ابتسام بعد بحث مستفيض
تبين بعد البحث الذي قام به عناصر الدرك الملكي المكلفة بالتحقيق في هذه القضية، حسب مصادر صحيفة المشهد TV، أن الفتاة القاصر سافرت بمعية صديقة لها إلى مدينة الدار البيضاء في تلك الليلة، ثم انتقلت إلى مدينة المحمدية وبالتحديد حي النصر حيث قضت الليلة هناك.
في مقابل ذلك، كانت مراسلة المشهد TV تتبع خيوط القضية التي أوصلتها إلى مسلك تكلل بالنجاح وفق القواعد المهنية وأخلاقيات المهنة. فاهتدت إلى الحصول على رقم هاتفي تبين أنه لصديقة الفتاة، فتم التواصل معها عبر تطبيق التراسل الفوري (واتساب). أكدت الصديقة أن الفتاة المبحوث عنها توجد رفقتها بمنزلها، وأنها لا تستطيع القدوم بها إلى مدينة ابن أحمد بعد الضجة الإعلامية التي أثيرت حول اختفائها، بل ستضع إخبارية لدى أقرب مركز أمني للشرطة.
كانت هذه المعلومة كافية لإنارة طريق عناصر الدرك الملكي، الذين قاموا بالتنسيق مع النيابة العامة المختصة بعد تحديد تموقع الهاتف. ثم انتقلوا إلى مدينة المحمدية، وبتنسيق مع عناصر الأمن الوطني تمكنوا من الوصول إلى المنزل الذي توجد فيه الفتاة القاصر. وبعدها تم القيام بالإجراءات القانونية المعمول بها.
وعبر سيارة الدرك الملكي، تم نقل الفتاة القاصر المختفية من مدينة المحمدية وتوجهوا بها إلى جانب صديقتها إلى المركز التابع لهم في ابن أحمد، ليتم الاستماع لهما في محضر رسمي وبوجود والدي الفتاة بحكم أنها قاصر. وبعدها أجري فحص سريري عليها من طرف الطبيب الشرعي للتأكد من سلامتها. وخلص التقرير الطبي إلى أنها سليمة ولم تتعرض لأي أذى أو مكروه، لكن الملاحظة التي تم تسجيلها من طرف مراسلة المشهد TV إلى جانب العديد من الشهود العيان، أكدت أن الفتاة كانت في حالة مزرية وفي حالة نفسية صعبة، وملامحها كانت تخفي وراءها ألف حكاية وحكاية.
●إحالة ابتسام و الأب والأم على أنظار الوكيل العام باستئنافية سطات
سيناريو مسلسل اختفاء الفتاة القاصر انتهى بعد إحالتها رفقة والديها، إضافة إلى والدة صديقتها، من طرف الضابطة القضائية بمركز الدرك الملكي لمدينة ابن أحمد، على أنظار الوكيل العام باستئنافية سطات، وفق الإجراءات المسطرية المعمول بها.
●العودة إلى المنزل لكن…
عادت الفتاة إلى حضن والديها ورجعت أم صديقتها من حيث أتت، تاركين وراءهم عدة أسئلة حارقة. فالقضية لم تنتهِ فصولها بعد، ما لم توجد هناك أجوبة شافية لتلك التساؤلات التي تعد لغزًا محيرًا. ومن أبرزها، الأسباب الحقيقية لمغادرة الفتاة القاصر لبيتها ومن ساعدها على المغادرة، بحكم الوقت الذي خرجت فيه من منزلها والمسافة الطويلة التي تربط بين مسقط رأسها ومدينة المحمدية. دون الحديث عن خطورة الطريق ليلاً والمسالك الوعرة التي يعرفها “الدوار” الذي تقطن فيه. والأكثر من ذلك أن مكان سكناها يبعد كثيرًا عن محطة سيارات الأجرة المتجهة صوب مدينة الدار البيضاء، ما يفسر أنه من المحتمل أن يكون هناك اتفاق مسبق مع من انتظرها ليقلها إلى المحطة أو إلى حيث تريد أو يريد.
هذه أسئلة من بين أخرى تُضاف إليها أسئلة لا تقل أهمية عن سابقتها. فبالرجوع إلى تصريحات أم الفتاة المختفية التي أدلت بها لصحيفة المشهد تيفي، ذكرت وجود قطرات دم إلى جانب البئر ومحفظتها وخصلة شعرها وصندلها البلاستيكي. فما مصدرها؟ وهل يعني ذلك أن وجودها كان تمويها؟ وإذا كان الجواب نعم، فمن أوحى لها بالقيام بهذا الفعل علماً أنه لا يمكن لفتاة في سنها أن تقدم على ذلك من تلقاء نفسها.
سؤال آخر في نفس المنحى، وهو لماذا اختارت الفتاة الذهاب إلى مدينة المحمدية وما الغرض من ذلك؟ وقبلها مدينة الدار البيضاء، حيث من المؤكد أنها وصلت إليها في وقت متأخر من الليل مما يعرض حياتها للخطر. وهنا تنتصب علامة استفهام كبيرة، وهي التي من الممكن أن تفتح قضية جنائية، كون أن الفتاة من المحتمل أنه تم التغرير بها ومساعدتها على الهرب من منزلها في اتجاه المجهول، أو في اتجاه ما وُعدت به لكنها اصطدمت بالمجهول.
ويبقى السؤال الذي يمكن الختم به، والذي ليس اتهاماً بقدر ما هو محاولة للفهم، كيف لأم صديقتها أن تستقبلها بمنزلها دون معرفة أسباب مجيئها في ساعات متأخرة من الليل أو في الصباح الباكر؟ فحسب ما يُروى، أن الفتاة القاصر المختفية كانت على تواصل دائم واتفاق مسبق مع صديقتها على الهروب. فهل قامت بالإجراءات القانونية المتعارف عليها والمتعلقة بإبلاغ عناصر الشرطة بالواقعة، علماً أن القاعدة القانونية الفقهية تقول “لا يعذر أحد بجهله للقانون”، أم أن والدة صديقة الفتاة المختفية كانت على دراية بكل الوقائع أو المخططات ومع ذلك استقبلتها بمنزلها، ولما أثيرت الضجة الإعلامية فضلت إبلاغ الجهات المختصة لتحمي نفسها من أي مساءلة قانونية؟ دون أن نغفل السؤال الأهم، هل كانت والدة الفتاة القاصر المختفية تعلم بهذا السيناريو وشاركت في حبكته وساعدت ابنتها على الهرب لتحسين وضعيتها الاجتماعية، وذلك بالانتقال إلى مدينة الزهور عند والدة صديقتها؟
سؤال مشروع يشكل لغزاً وقد يتم تفسيره بأنه السبب في طي هذا الملف بالسرعة القصوى، سيما وأن والد الفتاة اختار التواري عن الأنظار ورفض الإدلاء بأي تصريح للصحافة، مع أن هذه الأخيرة هي من أثارت القضية وساهمت في إيجاد ابنته. وجدير بالذكر أن صحيفة المشهد TV انتقلت إلى مكان سكن الفتاة القاصر والتقت بكل من الفتاة ووالدتها ووالدها، الذي رفض رفضاً قاطعاً الإدلاء بأي تصريح رغم محاولات إقناعه بأن ذلك سيحمي سمعة ابنته من التأويلات والتساؤلات التي تروج. لكن تبين أنه ربما خائف من شيء ما أو أن هناك ضغطاً ممارساً عليه لم يرِد الإفصاح عن مصدره.
أسئلة ما زالت معلقة إلى يومنا هذا، وإلى حين إيجاد من يجيب عنها، وصحيفة المشهد TV ما زالت تنبش في الملف للوصول إلى الحقيقة.
فهل سيأمر السيد المحترم الوكيل العام باستئنافية مدينة سطات بفتح تحقيق في النازلة؟ سؤال ستجيب عنه الأيام القادمة.